وضع داكن
22-02-2025
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 38 - طريق التوبة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سلامٌ علميٌ مستمعينا الكرام، في برنامج العلم والإيمان، مع فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 الله يجزيكم الخير، ومرحباً بكم دكتور، طريق التوبة هو عنواننا لهذا اليوم، نبدأ حلقتنا بقول الله عز وجل، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 شيخنا الكريم الحديث عن التوبة هو موضوعنا لهذا اليوم، هو موضوع قديمٌ حديث لطالما سمع الإنسان به، ولطالما يحتاج الإنسان إلى حديثه، ما هي التوبة دكتور؟

 

عظمة الإسلام تتجلى بتوبة جميع الناس :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 إذا تاب العبد توبةً نصوحة، أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، آيةٌ تقول:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة هود: 107]

 حين يتوب مجموع المسلمين تظهر عظمة الإسلام
يريدُ أي ينتظركم، لأنه رحيم.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 أي بالغوا في المعصية.

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 هناك ملمح لطيف، الآية تقول:

﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة النور: 31]

 حينما يتوب المجموع، تظهر عظمة الإسلام، أما إذا كان القلة تائبون، والأكثرية متفلتون، لا تبدو عظمة الإسلام، هذا ينقلنا إلى فكرة دقيقة جداً، أن هذا الدين العظيم، في وقتٍ واحد، دينٌ فردي، ودين جماعي، في الأرض الآن ثمانية مليارات إنسان، وملياري مسلم، لو أنّ شاباً واحداً عقد مع الله توبةٌ نصوحة، وضبط نفسه، في ثلاث دوائر، في نفسه دائرة، وفي بيته دائرة، وفي عمله دائرة، يعامل معاملة خاصة، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

 فالإنسان يعامل فردياً أحياناً، بصرف النظر عن المجموع، أما الأمة:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

المذيع:
 هذا إسلام جماعي.

 

ما دام منهج الله مطبقاً فنحن في مأمن كأمة من عذاب الله :

الدكتور راتب :
 جماعي، أي يا محمد ما دامت سنتك قائمةً، ما دام منهج الله مطبقاً، هم في مأمن كأمة من عذاب الله، فهناك توبة فردية وتوبة جماعية، جماعياً نرى ثمارها، أحد ثمارها النصر.
المذيع:
 وهذا ما هو غير محقق بهذه الأيام دكتور.
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 لأن الأمة بشكل جماعي ليست على سنة رسول الله.
الدكتور راتب :
 لكن هناك ملمحاً من أدق الملامح.

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

المذيع:
 ما معناها دكتور؟
الدكتور راتب :
 نصرة ضعفائنا في بلادنا هي طريق النصر
هذا الضعيف، إن أطعمته إن كان جائعاً، إن كسوته إن كان عارياً، إن علمته إن كان جاهلاً، إن نصرته إن كان مظلوماً، إن آويته إن كان مشرداً، يتفضل الله عليك، فيكافئك بمكافأةٍ من جنس عملك، فينصرك على من هو أقوى منك، كلام دقيق، عندنا سبيل واحد، كي ننتصر على قوى الأرض الظالمة، القوية، المتجبرة، عن طريق نصر ضعفائنا في بلادنا.

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 المكافأة من جنس العمل، هذا الضعيف قد تهمله، وقد تسحقه، وقد لا تلتفت إليه إطلاقاً، ولا تعبأ بوضعه، لذلك هناك قوى مخيفة، قوى قاهرة، قوى جبارة، أما إذا اعتنيت بهذا الضعيف، أطعمته إن كان جائعاً، عالجته إن كان مريضاً، علمته إن كان جاهلاً كسوته إن كان عارياً، نصرته إن كان مظلوماً، يتفضل الله علينا جميعاً، فينصرنا على من هو أقوى منا.
المذيع:
 سبحان الله، كلام جميل جداً.

 

التوبة هي العودة إلى الله :

الدكتور راتب :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

المذيع:
 الصدقة ترمم التقصير والزلل بعد التوبة
إذاً هذه العودة إلى الله دكتور هي التوبة؟
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 هل التوبة مرتبطة بوقوع الإنسان بالذنب حتى يتوب، أم أنّ التوبة منهج في حياة الإنسان، حتى لو لم يذنب في ذلك اليوم عليه تجديد التوبة دكتور؟
الدكتور راتب :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 1]

 الإنسان حينما ينوي ألا يعصي الله، وضعه سليم مع الله، لكن لو زلت قدمه أخي الكريم؛ أول توبة أهون توبة، لكن الثانية أصعب، إذا عاد الذنب نفسه، تضعف ثقته بنفسه فأنا أنصح الأخوة المستمعين والمشاهدين، إذا وقع بالذنب مرة ثانية، بعد أن تاب منه، يحتاج إلى دعم لهذه التوبة، صدقة، لو وقع مرة ثالثة، يحتاج إلى صدقتين، الصدقة ترمم التقصير، لكن في النهاية ليس لنا إلا الله، ليس لنا غيره سبحانه.
المذيع:
 دكتورنا الكريم، حتى نحدد المفاهيم، الآن التوبة ماذا تعني؟ هل معناها العودة إلى الله؟

 

مراحل التوبة :

الدكتور راتب :
 عند التوبة أول حالة نفسية هي الندم.
المذيع:
 التوبة هي الندم.
الدكتور راتب :
 ثانياً: الإقلاع عن الذنب، ثالثاً: العزيمة على ألا تعود إليه.
المذيع:
 حسناً، لنوضحهم دكتور.
الدكتور راتب :
 ندمٌ على ما فات.
المذيع:
 ماذا يعني الندم دكتور؟
الدكتور راتب :
 إنسان تألم، غلط مع الله عز وجل، مثلاً جلس جلسة لا ترضي الله، فاته فرض صلاة.
المذيع:
 أكل مالاً حراماً.
الدكتور راتب :
 سهرة فيها غيبة ونميمة، شاشة متفلتة مثلاً، برامج لا ترضي الله، سهرة مختلطة.
المذيع:
 كيف يندم عن هذا دكتور؟

الندم هو الشرط الأول من شروط قبول التوبة :

الدكتور راتب :
 الندم يجب أن يرافق التوبة ثم الإقلاع عن الذنب
هو لأنه مؤمن، النقطة الدقيقة جداً: لو فرضنا أن توب قماش مكتوب عليه: ثلاثة وعشرون ياردة، هذا أربعة وعشرون ياردة، هذا ثمانون ياردة، هل هذه الأرقام صحيحة؟ لعلها كاذبة، ما الحل؟ تحتاج إلى ياردة، عندما يطلب الإنسان العلم، يعرف عندما يغلط، لذلك طلب العلم فريضة، ليست سُنَة، فريضة على كل مسلم، أنت إذا طلبت العلم عرفت حدودك، هذه السهرة لا ترضي الله، هذه فيها اختلاط، هذه فيها غيبة ونميمة.
المذيع:
 إذاً العلم هنا إنذار.
الدكتور راتب :
 هذه الشاشة لا ترضي الله، فيها تفلت، العلم هو الأساس، العلم يعطيك مقاييس.
المذيع:
 فالشرط الأول من شروط قبول التوبة دكتور، أن يندم الإنسان، الندم دكتور هو شعور نفسي كما تفضلت، يتمنى لو أن الزمان يعود، ولا يقع بالذنب مرة أخرى.
الدكتور راتب :
 بعد الندم إقلاع عن الذنب.
المذيع:
 أستأذنك دكتور، أعود للندم، لو لم يشعر الإنسان بالندم دكتور، أي لو أراد أن يتوب لكن قلبه أو ضميره من الداخل.

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم :

الدكتور راتب :
 هذه القصة أعمق من ذلك، لو فرضنا أنك في شركة، والمدير العام أكرمك إكراماً كبيراً، أعطاك سيارة، أعطاك راتباً عال جداً، أعطاك منزلاً، وله عدو، فسلمت عليه، ولمحك وأنت تسلم عليه، تندم ندماً يفوق حد الخيال، كلما تحسست نعم الله، نعمة الصحة، أي لا يوجد في الدماغ خثرة، فشل كلوي كل أسبوع ثلاث مرات، غسيل كلية ثماني ساعات، تشمع في الكبد، صحتك لا شيء فيها، وعندك زوجة جيدة، عندك أولاد أبرار، عندك بيت تسكن فيه، عندك مأوى، دخلت لبيتك وقلت: الحمد لله الذي أواني، و كم ممن لا مأوى له، ليس عندك مشكلة مع زوجتك، ولا مع أولادك، ولا بعملك، لا يوجد في العمل مدير ظالم يقسو عليك، لا شيء من هذا، فإذا كنت بعملك مرتاحاً، وفي بيتك مرتاحاً، و بصحتك مرتاحاً، ومع أولادك مرتاحاً، هذه نعمة كبيرة، لا تغير حتى لا يغير الله.
 مادمت لم تتغير مع الله فلن يغير الله ما أنعم به عليك
كنت مرة في عمان، وأخ كريم وأنا أحبه، كنت أركب سيارتي، ودخل عليّ ومعه ميكرفون.
المذيع:
 ميكرفون.
الدكتور راتب :
 ميكرفون، قال لي: كلمتين أستاذ، قلت له: أي كلمتين؟ قال لي: كلمتين، قلت له: بأي موضوع، قال لي: بأي موضوع تريده، قلت له: كم من الوقت؟ قال لي: قدر ما تشاء، شيء محير، الله ألهمني هذه المقولة، قلت له: أنت مرتاح؟ قال: أنا، قلت: لا ليس شرطاً أنت، أقصد مرتاحاً في بيتك، مع زوجتك، مع أولادك، بصحتك، بدخلك، بعملك، ليس عندك ولا مشكلة؟ اسمع الحقيقة: لا تغير لا يغير، يبقى خطك البياني صاعداً، عندك مشكلة كبيرة مع بيتك، مع أهلك، مع أولادك، بعملك، بصحتك، بدخلك، ببلدك؟ نقول لك: غير ليغير، هذا الدين فيه حوالي مئة ألف موضوع، وفيه مئة ألف عالم، وفيه مية ألف كتاب، انضغطوا بأربع كلمات، لا تغير لا يغير، غير ليغير، الدليل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11]

 الصلحة مع الله بلمحة.

﴿ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 186]

المذيع:
 ونعم بالله.

 

الندم لا بد من أن يسبقه طلب علم لأن طلب العلم يكشف للإنسان خطأه :

الدكتور راتب :
 هو ينتظرنا.
المذيع:
 سبحان الله، بارك الله بكم يا دكتور، نستأذن فضيلتكم ومستمعينا الكرام، للوقوف إلى هذا الفاصل، ومن بعده نعود لنواصل مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وحديثنا تحت عنوان طريق التوبة، فابقوا بالقرب.
 شيخنا الكريم قبل الفاصل، تحدثنا عن التوبة، وهي أن الإنسان عليه أن يعود إلى الله من جديد، ويبدأ بالندم وهو شعورٌ نفسيٌ، لأنه ليس فخوراً فيما عمل من ذنب.
الدكتور راتب :
 لكن هذا الندم، لا بد من أن يسبقه طلب علم، طلب العلم يكشف له خطأه.
المذيع:
 إذاً طلب العلم هو المقياس؟
الدكتور راتب :
 هو المقياس.
المذيع:
 حتى يميز سلوكه حرام أم حلال.
الدكتور راتب :
 أصبح هناك ندم، وإقلاع عن الذنب فوراً، ثم عقد عزيمةً ألا يعود إليه.
المذيع:
 فقط عقد العزيمة، لو أنه تاب وعقد العزيمة بحق دكتور، ثم عاد فأذنب من جديد.
الدكتور راتب :
 يجب أن يتوب مرة ثانية، لكن التوبة الثانية أصعب، ما دام نقض توبته الأولى ضَعُفَ مركزه أمام الله عز وجل.
المذيع:
 ماذا يفعل دكتور؟

الصدقة تعزز التوبة :

الدكتور راتب :
 يحتاج أن يدفع صدقة.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

المذيع:
 الصدقة هنا دكتور لتعزيز موقفه، لا يقصد فيها الصدقة المالية، بل العمل الصالح بالعموم.
الدكتور راتب :
 وقد تكون صدقة مالية.
المذيع:
 لكن أقصد لا تقتصر على المال، لو قام بصلة أرحام، لو قام بالعفو عن إنسان.
الدكتور راتب :
 عمل يرمم غلطه الثاني.
المذيع:
 عملٌ صالح، هذه الحقوق الثلاث دكتور، ماذا لو كان للعبادة حق، مثلاً أكل مال شقيقته، أو أساء إلى إنسان؟

 

حقوق العباد لا تغفر إلا بالأداء والمسامحة :

الدكتور راتب :
 لا تقبل توبته إلا بعد الأداء، نحن في حياتنا ذنبٌ يغفر، ما كان بينك وبين الله، والصلحة بلمحة، وذنبٌ لا يُترَك، ما كان بينك وبين العباد، وذنبٌ لا يُغفَر، وهو الشرك بالله.
 كان النبي الكريم، إذا صلى على ميت من أصحابه يقول: أعليه دين؟ فإذا كان عليه دين، يقول: صلوا على صاحبكم، فجاء صحابي جليل قال له: عليّ دينه، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الرجل الكفيل، أأديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم الثاني، قال: لا، في اليوم الثالث سأله، قال: أديت الدين، فقال النبي الكريم: الآن ابترد جلده.
 حقوق العباد لا تغفر إلا بالأداء والمسامحة، أما حقوق الله فالصلحة بلمحة.
المذيع:
 سبحان الله، حقوق العباد المادية والمعنوية دكتور؟
الدكتور راتب :
 جميعها، جميعها.
المذيع:
 لو قذفت إنسان، أو أسأت لسمعته.
الدكتور راتب :
 يجب أن يتكلم كلاماً معاكساً أمام الجماعة نفسها، لا يجوز أن تتكلم أمام عشرين أو ثلاثين شخصاً في سهرة على إنسان، ثم تقول له: سامحني، عليك أن تبلغهم جميعاً بخطئك.
المذيع:
 إما أن أصل لهذا الإنسان الذي تحدثت عنه بسوء، فيعفو عني، أو أذهب لمن ذكرته أمامهم بسوء، فأعيد الكلام من جديد بطريقة طيبة، وكأنني بدلت الموقف، جميل.
 دكتور هل الاستغفار هو ذاته التوبة؟

للتوبة صفة مادية :

الدكتور راتب :
 التوبة هي الإقلاع.
المذيع:
 والاستغفار؟
الدكتور راتب :
 الإقلاع عن الذنب وحده توبة
هو الحالة النفسية، التوبة لها صفة مادية، مثلاً كان يغش في البيع والشراء، توقف عن الغش، هذه هي التوبة، أما الاستغفار يا رب سامحني على ما مضى، كأن يقول أحدهم لي: أنا أخذت رشاوي كثيرة من الناس، سألني هذا السؤال، لعشر سنوات، قال لي: ما الحل؟ فكرت أنا، والله لا حل لها، لأنه أخذ من الكثير من الناس.
المذيع:
 يصعب العودة إليهم.
الدكتور راتب :
 لا، لكني وجدت له الحل، قلت له: الدولة مكلفة أن تدعم الجمعيات الخيرية في البلد فأنت قدر المبلغ الذي أخذته، وادفعه بالتقسيط لجمعيات خيرية، هذا الحل، الدولة مكلفة أن تدعم الجمعيات الخيرية في أي بلد، أنت أخذت من المواطنين مبالغ رشوة، وأنت تعرف حجمها، لا تعرف بدقة، لكن حجمها تعرفه، ادفع على قدر المستطاع تقسيطاً لهذه الجمعيات الخيرية، لعل الله يغفر لك.
المذيع:
 سبحان الله، شيخنا الكريم في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، قوله:

(( وإِني لأسْتَغْفِرُ اللهَ في كُلِّ يومٍ مِائَة مَرَّة ))

[مسلم وأبو داود عن الأغر المزني]

الدكتور راتب :
 هذا نوع ثان سيدي.
المذيع:
 لماذا؟
الدكتور راتب :
 لأن الله عز وجل لا نهائي، كلما تصورت الذات الإلهية بعظمة معينة، تكتشف بعد حين أن هذا التصور أقل مما ينبغي، فتستغفر ربك، هذا استغفار الأنبياء، كلما أقبلت على الله.
 مثلاً إنسان أنت التقيت معه، هو غني كبير، تصورت معه مئة مليون، جعلت حجمه المالي عندك مئة مليون، ثم اكتشفت أن معه ألف مليون، فهمك الأولي لا يليق بهذا الشخص، لأنك اكتشفت فيما بعد أن معه مئة ألف مليون.
 فاستغفار الأنبياء من نوع ثانٍ، كلما أقبل على الله، يقول: الله أكبر، أكبر مما كنت أتصور.
المذيع:
 سبحان الله، ما أجمل هذا المعنى!
الدكتور راتب :
 أكبر مما كنت أتصور.
المذيع:
 بارك الله بك يا دكتور، شيخنا هل هنالك صيغة محددة للتوبة، مثلاً اللهم إني نويت أن أتوب، أم أنها شعور قلبي ولا يوجد كلام محدد؟

 

ليس للتوبة صيغة محددة :

الدكتور راتب :
 لا نعقد الأمور، إذا إنسان فرضاً استيقظ في رمضان الساعة الثانية فجراً ليتسحر، وهيّأ طعام سحور وتسحر، هل يجب أن تقول: نويت أن أصوم غداً من رمضان؟
المذيع:
 في القلب.

النية عمل القلب وكذلك التوبة :

الدكتور راتب :
 النية عمل القلب سيدي، إذا تلفظت بها لا يوجد مشكلة.
المذيع:
 وكذلك التوبة دكتور؟
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 لو وقع في ذنب، ثم بينه وبين ربه شعر بندم قلبي لا يشترط أن يتلفظ بعبارات محددة.
الدكتور راتب :
 أبداً.

﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

[ سورة طه: 7]

 أبلغ الآية سيدي، السر هو ما أضمرته ولم تذعه، الأخفى ما خفي عنك، علم ما كان و علم ما يكون، و علم ما سيكون، و علم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
المذيع:
 سبحان الله رب العالمين.

 

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 علم ما كان وما يكون وما سيكون، ثلاثة، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
المذيع:
 سبحان الله، نستأذنكم شيخنا باستقبال مشاركات مستمعينا الكرام، معنا على هواتف الإذاعة مباشرةً. أبو محمد أهلاً وسهلاً بك في هذه المشاركة الهاتفية.
المستمع:
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السؤال عن التوبة في موضوع الربا، الآية

﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 275]

 إذا تكرم الدكتور يشرح لنا معناه.
الدكتور راتب :
 أي هو كان يقبض، أخذ قرضاً ربوياً؟
المستمع:
 نعم، هو سؤال عام.
الدكتور راتب :
 أي إن كان يأخذ قرضاً ربوياً بفائدة، ثم تاب إلى الله، يسترد مبلغه الأصلي فقط، أما أعماله السابقة حسابه عند الله، إذا تاب العبد توبةٌ نصوحة، أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، إلا أن حقوق العباد لا تُغفَر إلا بالإداء أو المسامحة.
المذيع:
 أي أن المقصود هنا في الآية الكريمة دكتور، أن عليه أن يتوب، وأمره مرده إلى الله في قبول هذه التوبة.

 

إن تاب العبد توبةً نصوحة تعد هذه التوبة كفارةً له :

الدكتور راتب :
 نعم، نعم.
المذيع:
 شكراً لك أبو محمد ولمشاركتك معنا، شكراً جزيلاً. دكتورنا حينما نتحدث أن التوبة تجب الذنوب، هل معنى ذلك أن الإنسان لن يقف من الأساس أمام الله، فيُسأل عن هذا الذنب، أما أنه سيقف ويحاسب ويُسأل لكن الله يعفو عنه، فلا يذقه العذاب.
الدكتور راتب :
 إن تاب توبةً نصوحة، تعد هذه التوبة كفارةً له، أما إذا عاد إلى الذنب نفسه، تزعزع مركزه أمام الله عز وجل.
المذيع:
 لكن القصد دكتور، حتى في التوبة النصوح، هل يقف أمام الله فيُسأل عن الذنب، ثم يسامحه الله، أم من الأساس يعتبر كأنه لم يكن، فلا يحاسب ولا يُسأل؟
الدكتور راتب :
 هذا من شأن الله وحده.
المذيع:
 هذا من شأن الله لا يعلمه الإنسان.
الدكتور راتب :
 من يعلم حقيقة التوبة، أحياناً إنسان يتوب أمام الناس، أما لو خلا مع نفسه، قد يقع في المعصية، لذلك قيل: من لم يكن له ورعٌ، يصده عن معصية الله إذا خلا، لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله.
المذيع:
 حسناً دكتورنا الكريم، أحياناً البعض يذهب في منحى عاطفي في قضية التوبة، في الندم الشديد، وقد يتبع هذا الندم نوع من أنواع اليأس في الحياة، هل هذا مطلوب شرعاً؟

الحكمة أعظم عطاء إلهي على الإطلاق :

الدكتور راتب :
 اليأس يقترب من الكفر، والدليل:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 اليأس والقنوط من رحمة الله يقترب من الكفر.
المذيع:
 إذاً الندم هو شعور قلبي.
الدكتور راتب :
 الندم توبة كما قال النبي.
المذيع:
 لا يجب أن يصل لحد جلد الذات، وتدمير الحياة النفسية.
الدكتور راتب :
 هناك نقطة دقيقة جداً، أحياناً إنسان يخطب امرأة ويتزوجها، لا داعي أن يحكي لها عن ماضيه السلبي، هذا خطأ كبير، الله عز وجل أسبل عليك ستره، اسكت، هي تتكلم له أحياناً عن أخطائها السابقة، تنشأ مشاكل كبيرة، خطأ، الحقيقة:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 الحكمة أعظم عطاء إلهي
أنا أقول لإخواننا المستمعين والمشاهدين: أعظم عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، من دون حكمة تجعل الصديق عدواً، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، وبلا حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر أمرك بمالٍ محدود، من دون حكمة تتلف المال الكثير، أكبر عطاء إلهي الحكمة.
المذيع:
 ونعم بالله، لننتقل إلى جولة جديدة ومشاركات مستمعينا. ذكريات أهلاً وسهلاً بك.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيك العافية دكتور، أحببت أن أسلم على الأستاذ محمد راتب النابلسي، وأقول له أن عائلتي كلها تحبه، وتسلم عليه، ووالدي يدعي له دائماً في الصلاة، وهو عندما نسمع برنامجه وحديثه على الراديو، يريح القلب، حتى عندما أكون متضايقة، أو حزينة، عندما أسمع برنامجك أدعو لك، ما شاء الله، أعطاك الله طول العمر والصحة، وحفظك الله، وحفظ كل الناس الذين مثلك، وكثر من أمثالهم، وأحب أن أقول لك: يعطيك العافية، وشكراً لك.

 

متابعة أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 بارك الله فيكِ، وحفظ لكِ إيمانك وأهلك وأولادك وصحتك ومالك وبلدك.
المستمع:
 الله يسعدك ويعطيكم العافية.
المذيع:
 الله يعافيكِ يا رب، شكراً لكِ أخت ذكريات. لننتقل إلى أبي إلياس باتصال جديد تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية، وبارك الله بكم، وأطال عمركم، وزادنا خيراً بعلمكم إن شاء الله، عندي سؤال لا يتعلق بالحلقة، الإنسان عندما يشعر بالنعاس هل من الممكن أن يصل لدرجة أن يدعو على نفسه بدل أن يدعو لنفسه عند السجود؟
المذيع:
 ممكن توضحها أكثر أبو إلياس، عفواً لم توضح.
المستمع:
 معنى الحديث أن الإنسان عندما يشعر بالنعاس هل من الممكن أن يتوقف عن الصلاة والدعاء، لأنه من الممكن أن يدعو على نفسه وهو ساجد من شدة النعاس؟

من يتوب توبةً نصوحة يلقي الله في روعه أنه قَبِله :

الدكتور راتب :
 إذا إنسان قال له: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، الله ما حاسبه، مع أن ما قاله كفر، نطق بالكفر، ولكنه لم يقصده.
المستمع:
 لكن هذا يؤرقني، أقصد أن ربنا عارف السر، كيف ممكن مثلاً أن يدعُو على نفسه بالخطأ وهو نعسان، كيف ربنا يستجيب له؟ ربنا عالم بنا، لذلك هذا الشيء حيرني.
المذيع:
 يجب أن تتأكد من شيئين أخي أبو إلياس، بدايةً أنه أصلاً هل هنالك حديث صحيح في هذا المعنى؟ وما هو التفسير؟ أتمنى أن تتواصل مع برنامج فتاوى، باعتبار هذا تخصصه لتتأكد من أصل وجود هكذا حديث، ومن تفسيره بهذه الزاوية، شكراً لك أبو إلياس، ربنا يطمئن قلبك بالإيمان.
 شيخنا الكريم كنا نتحدث في قضية الندم، وأن الإنسان عليه أن يندم على الذنب، لكن هذا لا يعني أن تتعطل حياته، أو أن يتدمر نفسياً، مثلاً إنسان، كان له علاقات محرمة دكتور، ليس معنى هذا ألا يتزوج، أو يتدمر، لا، عليه أن يستغفر ربنا ويتوب، فيبدأ بداية جديدة، أليس هذا هو المقصود في التوبة دكتور؟
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإنسان حينما يتوب توبةً نصوحة، الله عز وجل يلقي في روعه أنه قَبِلَه.
المذيع:
 فيرتاح نفسياً.

على المؤمن أن يفهم الآيات القرآنية فهماً صحيحاً :

الدكتور راتب :
 يرتاح، يلقي في روعه أنه قبله، مثلاً إذا ابن أخطأ، جاء وقبّل يد والده وقال له: سامحني يا والدي، يضمه ويقبله، كأن شيئاً لم يكن، بالضبط، لذلك إذا تاب العبد توبةٌ نصوحة، أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، بعبارة معاصرة: فتح مع الله صفحةً جديدة.
المذيع:
 ونعم بالله، الآية الكريمة دكتور.

من تاب فقد فتح مع الله صفحة جديدة

 

﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾

 

[ سورة هود: 114]

 معناها أن الإنسان ينشغل بالعمل الصالح ليكون كفارةً لذنوبه، وتوبةً صادقة؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، لكن أولاً، هناك معنى يُفهم خطأ.

(( بدل الله سيئاتهم حسنات))

[أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 هناك فهم سقيم لهذا المعنى، أنه كان له أعمال سيئة جداً فانقلبت لحسنات، هذا مستحيل، لكن الله عز وجل غفر له، وأنساه إياها، لكن لا تنقلب لفضائل، إذا إنسان قتل إنساناً فرضاً، أو ضربه ضرباً مبرحاً، هل يصبح هذا العمل حسنة؟ يبقى سيئة، لكنّ الله غفرها له.
المذيع:
 ولم يحاسبه عنها.

 

اتْباع التوبة بعمل صالح برهان على صدق التوبة :

الدكتور راتب :
 أما هو كان بخيلاً صار كريماً، كان عصبياً صار حليماً، كان قاسياً صار ليناً.
المذيع:
 أما الآية الكريمة دكتور.

﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾

[ سورة هود: 114]

 والحديث النبوي الشريف.

(( وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا ))

[الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ]

 هل هنالك مطلب شرعي للإنسان، أن يتبع التوبة بعمل صالح لتكون برهاناً على صدق التوبة؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، طبعاً.
المذيع:
 فهذا العمل الصالح هو بديل العمل الخاطئ دكتور، هكذا تُفهَم.
الدكتور راتب :
 أبداً، أبداً.
المذيع:
 جميل، هل يجب أن يكون العمل الصالح بذات الباب الذي أذنب فيه؟
الدكتور راتب :
 لا ليس شرطاً.
المذيع:
 إنسان مثلاً عقّ والديه، هل يجب أن يكون العمل الصالح في بر الوالدين، أم يمكن أن يكون بوابة عمل صالح في زاوية أخرى دكتور؟

 

الاستغفار هو أفضل طريق للتوبة :

الدكتور راتب :
 نعم دقيقة، إذا أساء لوالديه يعتذر، لا يجب أن تكون توبته بعيدة عن صاحب الموضوع، يا والدي والله أنا كنت مخطئاً سامحني، الأب يسامح فوراً، يسامح بهذا الشكل.
المذيع:
 شيخنا الكريم، أيضاً إلى مشاركات جديدة من مستمعينا الأكارم، تفضل يا مصطفى معنا باتصال جديد، أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 السلام عليكم ورحمة الله، اسمح لي أن أسلم عليكم وعلى الأستاذ الدكتور، أول مرة أحكي معه على الهواء، دائماً أنا أسمعك، ولي الشرف، لي عظيم الشرف أن أتكلم مباشرةً مع دكتور علامة مثلك.
الدكتور راتب :
 بارك الله فيك، ونولك مرادك إن شاء الله.
المستمع:
 آمين، وأنا لي الشرف والله إني أتكلم معك، عندي سؤال، أنا الحمد لله ربنا سبحانه وتعالى هداني تقريباً من السنة الماضية، من فضل الله، وتغيرت كل حياتي ثلاثمئة وستين درجة، من فضل الله للأحسن والأفضل.
الدكتور راتب :
 تقصد أن تقول: مئة وثمانون درجة، وليس ثلاثمئة وستون، معنى هذا رجعت مثلما كنت.
المستمع:
 أنا عندي ذنب، والله أكرره وأستغفر، وأكرره وأستغفر، لكن أحياناً أصل لمرحلة مثلاً عندما أكرر هذا الذنب، ذنب ظلمي لنفسي لا لغيري، ظلم لنفسي أنا، فعندما أكرر هذا الذنب أستغفر ربي، لكني أصل لمرحلة أنني عندما أتوقف عن الصلاة مثلاً، أسجد وأدعو لله حتى أصل لمرحلة أخجل فيها من الله، إني مثلاً أخجل أن أفتح الموضوع مع الله سبحانه وتعالى، من باب الخجل أني دائماً استغفره وأعود للذنب.
المذيع:
 اسمع يا مصطفى للدكتور.

العلاقة الحميمة يجب أن تكون مع المؤمنين حتى تصل إلى الله :

الدكتور راتب :
 ليس لنا غير الله، نستغفره مليون مرة.
المذيع:
 العلاقات المتينة الحميمة تكون مع المؤمنين
تشرفنا باتصالك معنا، شيخنا الفاضل، مستمعينا الأكارم، سنتوقف نحن وإياكم بإذن الله لفاصل قصير، حتى يرفع أذان العصر، ونعود معكم على الهواء عبر حياة FM.
 نحن وإياكم متواصلين في هذه الحلقة، وحديثنا عن طريق التوبة، دكتورنا الكريم كانت أسئلة مستمعينا الكرام تدور في فلك كيف يثبت الإنسان على توبته ولا ينقض العهد مع الله؟
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الإنسان بحاجة ماسة إلى حاضنة إيمانية، الدليل.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 كن معهم، اجلس معهم، تعامل معهم، لكني أنا مضطر الآن أن أفصل بين علاقة العمل والعلاقة الحميمة، علاقة العمل لا علاقة لها، هناك رئيس دائرة لا يهمك أمره، يهمك أن تأتي على الوقت وتؤدي واجبك، أما علاقة حميمة، نزهة طويلة، سهرة طويلة، شراكة دائمة، العلاقة الحميمة يجب أن تكون مع المؤمنين.
المذيع:
 حتى يدلك على الله.

 

على المؤمن أن يعزز رقابته الداخلية :

الدكتور راتب :
 طبعاً.

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 الآية الأبلغ:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 أما أنا عندي مقياس دقيق جداً: هو شد الحبل، لعبة شد الحبل، بجلسة، بسهرة، بلقاء بنزهة، إن استطاع الجميع أن يأخذوك إلى انحرافهم، أو إلى تقصيرهم، أو إلى بعض المعاصي والآثام، ينبغي أن تتركهم فوراً، أما إذا أمكنك أن تشدهم إليك ابقَ معهم، المقياس لعبة شد الحبل.
المذيع:
 البعض دكتور لديه رفقة صالحة، لكن حينما يخلو بنفسه قد يقع في بعض المحرمات، كيف يعزز ذنوب الخلوات؟
الدكتور راتب :
 والله فيها حديث مخيف، مضطر أن أقوله:

(( من لم يكن له ورعٌ، يصده عن معصية الله إذا خلى، لم يعبأ الله بشيء من عمله))

 معنى ذلك أنه يخاف من الأمة، يخاف من الناس.
المذيع:
 كيف يعزز رقابته الداخلية؟

 

معية الله أن تشعر أن الله معك :

الدكتور راتب :
 أنت حينما تستقيم على أمر الله استقامة تامة، تنعقد لك مع الله صلة، هذه الصلة تسعد بها، فأنت حينما تستقيم، تخاف أن تنقطع عنك هذه الصلة، كلمة دقيقة، لا تخاف من عقاب الله، عندما سعدت بقربه، شعرت بسعادة، بسكينة، بتفوق، بقرار حكيم، برؤية صحيحة، بعلاقات طيبة، كل هذه الثمار جاءتك من استقامتك.
المذيع:
 عندما تستقيم تسعد بصلتك مع الله
هذه معية الله دكتور، أن تشعر أن الله معك.
الدكتور راتب :
 والله مع الناس، عندنا معية عامة، ومعية خاصة.

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد: 4]

 مع الكافر، مع فرعون، مع الظالم.
المذيع:
 ماذا تعني هذه المعية العامة دكتور؟
الدكتور راتب :
 معية علم فقط، أما.

﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾

[ سورة الأنفال: 19]

 هذه معية خاصة.
المذيع:
 وما معناها؟
الدكتور راتب :
 معهم بالنصر، والتأييد، والإسعاد، والتوفيق، هي معية خاصة مهمة جداً، إذا كان الله معك فمن عليك، من يجرؤ أن ينال منك، وإذا كان عليك فمن معك، إذا كنت مع الله معية خاصة، يسخّر عدوك ليخدمك، وإن لم تكن مع الله يتطاول عليك أقرب الناس إليك.
المذيع:
 والعياذ بالله، إذاً دكتور الإنسان حينما يكون مع الله سبحانه وتعالى، ويستقيم بأغلب حاله، ويكون له رفقة صالحة، وبيئة جيدة، وكما تفضلتم في بداية الحلقة، والعلم حتى يكون مقياساً للحلال والحرام، هذه تعينه على الانضباط، فإن وقع وزلت قدمه، عليه بالتوبة للبقاء مع الله تعالى.
 أكرمكم الله وجزاكم الخير، نريد دكتور أن نختم هذه الحلقة بالدعاء ونسأل الله تعالى القبول والمغفرة.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، لهذه الكلمات الطيبة.
 مستمعينا الأكارم، كانت حلقتنا لهذا اليوم، تحت عنوان طريق التوبة، فطريق التوبة هي بوابةٌ يدخل من خلالها الإنسان إلى رضوان الله تبارك وتعالى، على الإنسان أن يستقيم على شرع الله، أن يزداد من العلم، وأن يحظى ببيئة ورفقة صالحة تعينه على الصواب، وإن زلت قدمه فالتوبة، فالندم يعني الذنب، والوقوف عنده، والعزم على ألا يعود إليه، وإن كان هناك حقوق للعباد فعليه بالمسامحة أو بأدائها، ليستقيم حاله مع الله.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور